Sunday 12 October 2025
الصفحة الرئيسية      كل الأخبار      اتصل بنا      RSS      English
مصدر الإخبارية - منذ 1 أيام

من الموت إلى الذاكرة: كيف تعيش غزة بعد أن توقفت الحرب؟

سماح شاهين- مصدر الإخبارية بعد عامين من القصف والدمار، وصوت الطائرات الذي لم يفارق سماء قطاع غزة، ساد الهدوء أخيرًا لكن رغم وقف إطلاق النار، لا تزال جراح الناس مفتوحة، وذكريات الخراب حاضرة في كل زاوية، فقد كثيرون منازلهم، وفقد آخرون أحباءهم، وبعضهم ما زال يبحث عن أثر لحياة كانت هنا ذات يوم. عدنا لنجد الرماد لا بيت لا ذكريات في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، لا شيء يشبه ما كان شوارع مدمّرة، بنايات كانت ترتفع شاهقة تحوّلت إلى أكوام من الركام، وصمت ثقيل يخترقه بكاء طفل أو صوت حجارة تتحرك تحت أقدام العائدين. وسط هذا المشهد، تقف مريم اللوح (38 عامًا) أمام ما كان ذات يوم بيتًا من خمسة طوابق، تسكنه هي وزوجات أشقائها وأطفالهم. تقول مريم لـ شبكة مصدر الإخبارية : هنا كان مدخل البيت وهنا كانت شجرة الليمون التي زرعها والدي منذ 20 عامًا لا شيء بقي نزوح قسري تحت النار اضطرت مريم للنزوح من منزلها قسرًا، تحت وابل من القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي استهدفت الغارات مناطق مجاورة لحيهم، وطلب منهم الجيش الإسرائيلي الإخلاء الفوري . تخبرنا: خرجنا حفاة في منتصف الليل، بدون أمتعة، فقط ما استطعنا حمله بأيدينا كنت أُمسك بيد طفلتي وأدفع والدتي على كرسي متحرك لا أعرف كيف وصلنا إلى حي الرمال . قضت مريم وأسرتها أسابيع في مدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء، ثم انتقلت إلى منزل أحد الأقارب في مخيم الشاطئ، حيث ازدحم المكان بـ14 فردًا في ثلاث غرف. تردف: كنا ننام فوق بعضنا البعض لم يكن هناك ماء كافٍ، ولا طعام، ولا خصوصية النساء يبكين في الليل دون صوت، والرجال يجلسون عاجزين . العودة إلى اللاشيء عقب وقف إطلاق النار، عادت مريم مع أسرتها لتتفقد منزلهم لكنها لم تجد سوى أطلال. المنزل المؤلف من خمسة طوابق سُوّي بالأرض. تعبر عن شعورها بالقول: بكيت كمن فقد ابنه هذا البيت بنيناه طوبة طوبة على مدى 15 عامًا عشنا فيه كل لحظاتنا فجأة، لا وجود له . تقول مريم إنهم فقدوا كل شيء: الأثاث، الملابس، أوراق الملكية، الصور العائلية، حتى مجوهرات زفافها. وتتابع: المال يُعوض لكن الذكريات؟ لا شيء يعوّض أن تفقد دفاتر أطفالك، رسوماتهم، صورك القديمة مع أبيك الراحل . وتضيف بنبرة حزينة ممزوجة بالغضب:  أطفالي يسألونني: متى نرجع لبيتنا؟ لا أملك جوابًا قلبي يتفتت كلما سألوا . رغم الألم، تحاول مريم أن تتمسك ببصيص من الأمل، لكنها لا تخفي شعورها بالعجز:  كل ما أريده بيتًا صغيرًا يؤويني أنا وأطفالي. لا أريد قصورًا فقط سقفًا يحميهم من المطر وعيون الناس . بين الركام، تبحث مريم عن ذكرى، عن قطعة أثاث مكسورة، أو حتى بلاطة سليمة من المطبخ الذي كانت تعد فيه الطعام لأطفالها لكنها لا تجد شيئًا سوى رماد. كل ما بقي لي... صورة على الحائط وخيمة  حين تدخل خيمة آمنة جندية في دير البلح وسط قطاع غزة، تستقبلك رائحة الحطب الرطب، وبعض صور معلقة لفتى بعينين واسعتين وابتسامة خجولة، تقول: هذا هو محمد آخر ما تبقى منه صورة وقبعة صغيرة كنت قد اشتريتها له في عيد ميلاده السابع عشر .  كانت آمنة تعد وجبة العشاء ليلة القصف، بينما ابنها محمد يرتّب ملابسه استعدادًا للذهاب إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. تخبرنا: سمعنا الطائرة، لكنها لم تكن المرة الأولى كنا نظن أنهم سيقصفون الأرض الخالية المجاورة، كما في السابق فجأة كل شيء اهتز، ثم صمت، ثم صراخ . استُهدف منزلهم بصاروخ دون سابق إنذار محمد كان في غرفة النوم، ولم يخرج منها حياً انهار السقف عليه، مضيفًة: حاولنا الوصول إليه بيدينا لم يكن هناك وقت الإسعاف تأخر، والبيت انهار بالكامل وجدوه بعد ساعات، جثةً بلا ملامح تقريبًا دفنته ولم أودّعه . تقول إنها لم تتلقَ أي تعويض، ولا تملك وسيلة للعيش سوى المساعدات القليلة من جيران وأقارب الحرب انتهت؟ ربما، لكن بالنسبة لي، بدأت يوم فقدت محمد . حلمًا مشوشًا كان أحمد محفوظ يعيش حياة بسيطة نسبيًا، يكدّ على سيارة أجرة ليؤمّن قوت أطفاله وزوجته، لم يكن يهتم بالسياسة، ولا بالحديث عن الحرب كل ما أراده كان أن يربي أولاده بكرامة . يتذكر اللحظة التي تغيّر فيها كل شيء: كنت في طريقي إلى البيت، اتصلت زوجتي وقالت لي: أسرع، الطائرات في الجو وصلت قبل دقائق فقط ثم وقع الانفجار . صاروخ من طائرة استطلاع استهدف المنزل المجاور، لكن شظاياه دمّرت منزل أحمد بالكامل، وسببت انهيار جزء من السقف على غرفة الأطفال. الصراخ، الدخان، الدماء لا أزال أراه كل يوم في نومي ابني الصغير نُقل إلى العناية المركزة حتى اليوم، لا يتحدث بشكل طبيعي ، يروي لـ شبكة مصدر الإخبارية . اليوم، يعيش أحمد مع أسرته في مدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء، ويتقاسم غرفة مع ثلاث عائلات أخرى. ويتابع: لا أملك شيئًا سيارتي احترقت، المنزل دُمّر، لا أوراق رسمية تثبت شيئًا نعيش من تبرعات قليلة تأتي من الخارج أشعر أنني فشلت كأب . يحاول أحمد أن يحافظ على رباطة جأشه أمام أبنائه، لكنه يعترف: أحيانًا أختبئ في الحمام وأبكي، لا لشيء، فقط لأنني لا أستطيع إعطاءهم حتى الحليب . ويختم حديثه: انتهت الحرب ولكن لم ننجو نفسيًا بعد عامين عدنا إلى الشمال بدون أي مأوى مرة أخرى فقدنا في غزة كل شيء لم أتوقع حياتنا تُباد هي أيضًا ونعود للعصر الحجري .


آخر الأخبار
هشتک:   

الموت

 | 

الذاكرة

 | 

توقفت

 | 

الحرب

 | 

مصادر