Sunday 12 October 2025
الصفحة الرئيسية      كل الأخبار      اتصل بنا      RSS      English
مصدر الإخبارية - منذ 5 أيام

انهيار السرديتين المؤسستين لإسرائيل بعد حرب السابع من أكتوبر

القدس المحتلة - مصدر الإخبارية تشكّل حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 نقطة تحوّل تاريخية في الوعي الإسرائيلي، إذ أسفرت عن انهيار سرديتين قوميتين مؤسستين للهوية الإسرائيلية الحديثة: الأولى، أن إسرائيل تمثل الملاذ الآمن للشعب اليهودي؛ والثانية، أن إسرائيل — بوصفها “دولة الشعب اليهودي” الذي ورث القيم الأخلاقية للأنبياء — لا يمكن أن ترتكب جرائم حرب أو أعمال إبادة. هذه الحرب لم تقتصر على بعد عسكري أو أمني، بل هزّت الأسس الأخلاقية والفكرية التي قام عليها المشروع الصهيوني ذاته، ودفعت الإسرائيليين إلى مواجهة تساؤلات وجودية حول طبيعة دولتهم، ومستقبلها الأخلاقي والسياسي. من الملاذ الآمن إلى انكشاف الضعف منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، ظلّت الفكرة المحورية التي يجري تدريسها في المدارس وتغذيتها في الوعي الجمعي هي أن الدولة اليهودية تمثل “الملاذ الآمن” لليهود بعد قرون من الاضطهاد في المنفى. لكن هجوم السابع من أكتوبر، الذي أسفر عن مقتل نحو 1182 إسرائيليًا واختطاف أكثر من 250 آخرين وفق التقديرات الرسمية، أطاح بهذه الرواية. فقد تلاشت صورة “الجيش الذي لا يُقهر”، وتبدّد الشعور بالأمن الداخلي، عندما فشلت المؤسسة العسكرية والأمنية في منع أو حتى صدّ الهجوم في ساعاته الأولى. بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، مثّل ذلك اليوم “نكسة وجودية” أعادتهم ذهنيًا إلى صورة اليهود الضعفاء والمضطهدين في أوروبا ما قبل المحرقة. حتى بعد أن استعادت المؤسسة الأمنية توازنها وبدأت الرد العسكري، بقيت الندبة النفسية مفتوحة، وأصبح مفهوم “الملاذ الآمن” موضع شك عميق، ليس فقط داخل إسرائيل، بل في أوساط الجاليات اليهودية حول العالم. من الجيش الأكثر أخلاقية إلى جرح أخلاقي مفتوح السردية الثانية التي تصدعت هي ما يُعرف في الوعي الإسرائيلي بـ “طهارة السلاح”، أي الاعتقاد بأن الجيش الإسرائيلي هو “الأكثر أخلاقية في العالم”. ففي خضم الحرب على غزة، وبينما انطلقت العملية العسكرية تحت شعار “الدفاع عن النفس”، سرعان ما تحولت إلى حملة تدمير واسعة النطاق خلّفت ما بين 60 إلى 100 ألف قتيل، يُقدّر أن نحو 80 في المئة منهم مدنيون. ترافقت مشاهد القصف والانهيار الإنساني في غزة — من الأطفال المبتورة أطرافهم إلى العائلات التي تُقتل تحت الأنقاض — مع تساؤلات غير مسبوقة داخل بعض الأوساط الأكاديمية والإعلامية الإسرائيلية حول طبيعة الحرب وحدودها الأخلاقية. حتى في وسائل إعلام إسرائيلية رئيسية مثل هآرتس، بدأ يظهر توصيف ما يجري بأنه “مجزرة جماعية”، فيما وُصفت الحرب بأنها “وصمة أخلاقية” ستمتد آثارها على ماضي إسرائيل ومستقبلها. الإنكار والتنافر المعرفي تسود داخل المجتمع الإسرائيلي اليوم حالة من الإنكار الجماعي إزاء حجم الدمار في غزة.
ففي المظاهرات الضخمة التي ينظمها تيار الوسط واليسار للمطالبة بإعادة الأسرى، نادرًا ما تُذكر معاناة الفلسطينيين، إذ يرى منظموها أن الحديث عن ذلك “يضعف الموقف التفاوضي” أو “يُستغل من قبل حماس”.
أما التيار القومي والديني، فيتبنى موقفًا أكثر تشددًا، يرى في الحرب تطبيقًا “لإرادة توراتية”، كما عبّر عنها الحاخام يغئال ليفنشتاين الذي دعا إلى النظر إلى “العدو العربي بعيون الكتاب المقدس”. هذا التنافر بين الشعور بالضحية (“نحن ضحايا إبادة”) وممارسة الإبادة ضد آخرين (“نحن من نُنفّذها”) يخلق أزمة أخلاقية غير مسبوقة، تُعيد إلى الأذهان تساؤلات طالما طُرحت عن كيفية انجراف الشعوب نحو تبرير العنف الجماعي باسم البقاء أو الهوية. أزمة في السردية التعليمية والثقافية تواجه المؤسسات التعليمية في إسرائيل تحديًا جديدًا: كيف يمكن تدريس التاريخ والهوية بعد انهيار السرديتين المؤسستين؟ فالمعلمون ومرشدو الحركات الشبابية الذين لطالما كرّسوا رواية “الملاذ الآمن” و”الأخلاق اليهودية” يجدون أنفسهم اليوم أمام فراغ قيمي يصعب ملؤه. كما أن النخب الثقافية والإعلامية تواجه معضلة إعادة صياغة “القصة الوطنية” التي تمنح الإسرائيليين معنىً واستمرارية، دون الوقوع في نكران الواقع أو تبرير الفظائع. نحو سردية جديدة: شراكة أخلاقية لا قومية يشير الكاتب إلى أن الروايات القومية لا تنهار دفعة واحدة، بل تتآكل ببطء أمام حقائق يصعب استيعابها أو إنكارها.
إلا أن حجم التوثيق والدمار في غزة يجعل تجاهل الواقع أمرًا مستحيلاً على المدى الطويل.
وعليه، فإن استعادة “الحق الأخلاقي في الوجود” بالنسبة لإسرائيل لا يمكن أن يتحقق إلا عبر رواية جديدة تُكتب بشراكة يهودية – فلسطينية، تقوم على الاعتراف المتبادل بالإنسانية المشتركة والحق في الحياة والأمن لكلا الشعبين. هذه الرواية الجديدة، إن وُلدت، لن تكون تبريرًا سياسيًا أو دعاية حكومية، بل مشروعًا أخلاقيًا وتربويًا يُعيد بناء المعنى من تحت الركام، ويمنح الأمل بإمكانية العيش المشترك بعد قرن ونصف من الصراع. صحيفة هأرتس الإسرائيلية - يورام هاربز: محاضر في التربية بكلية بيت بيرل


آخر الأخبار
هشتک:   

انهيار

 | 

السرديتين

 | 

المؤسستين

 | 

لإسرائيل

 | 

السابع

 | 

أكتوبر

 | 

مصادر