Tuesday 28 October 2025
الصفحة الرئيسية      كل الأخبار      اتصل بنا      RSS      English

عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل: ضرورة إنسانية واستثمار في الاستقرار بقلم: الدكتور نبيل كوكالي

عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل: ضرورة إنسانية واستثمار في الاستقرار بقلم: الدكتور نبيل كوكالي – رئيس المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأيتشكّل قضية عودة العمال الفلسطينيين إلى العمل في إسرائيل إحدى أكثر القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلحاحًا في المرحلة الراهنة، خصوصًا بعد توقّفٍ كامل دام منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023. فقد أدى هذا التجميد إلى انهيار أحد أهم شرايين الدخل في الضفة الغربية، وعمّق الأزمة المعيشية التي يعيشها عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية التي فقدت مصدر رزقها الرئيس. اليوم، وبعد مرور تلك السنين على الإغلاق ، باتت الدعوة إلى إعادة إدماج العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي ضرورة ملحّة، ليس فقط من منظور اقتصادي، بل أيضًا من منظور إنساني واستقرار اجتماعي وأمني في المنطقة بأسرها.إن استمرار المنع يفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الضفة الغربية، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وازدادت هشاشة الاقتصاد المحلي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على أجور العمال داخل إسرائيل. ومع غياب البدائل الفعلية وفرص العمل المحلية، أصبح كثير من الأسر الفلسطينية رهينة واقع اقتصادي خانق يدفع نحو مزيد من الإحباط الاجتماعي وعدم الاستقرار. في المقابل، يدرك صانعو القرار الإسرائيليون، وكذلك أوساط المال والأعمال في إسرائيل، أن غياب العمالة الفلسطينية ترك فراغًا كبيرًا في قطاعات حيوية مثل البناء والزراعة والخدمات، وهو ما انعكس سلبًا على وتيرة الإنتاج ورفع كلفة التشغيل وأضرّ بالاقتصاد الإسرائيلي ذاته.تشير البيانات إلى أن نحو 165-177 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل قبل الحرب، يشكّلون نحو 20% من إجمالي قوة العمل الفلسطينية. وكان معظمهم يعمل في قطاع البناء (حوالي 80 ألف عامل) بأجور تفوق نظيرتها المحلية بثلاثة أضعاف تقريبًا، إذ بلغ متوسط الأجر اليومي في إسرائيل 81 دولارًا مقابل 31 دولارًا في الضفة الغربية. ووفقًا للبنك الدولي، شكّلت أجور هؤلاء العمال 20% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني تقريبًا، وأسهمت بنحو ثلث الإنفاق الاستهلاكي في الضفة. هذه الأرقام تبرز أن العمالة الفلسطينية في إسرائيل كانت تشكل عمودًا فقريًا للاقتصاد الفلسطيني، ومصدر دخل رئيسي لعشرات آلاف العائلات.لكنّ قرار المنع الأمني في أكتوبر 2023 أحدث صدمة اقتصادية واجتماعية هائلة. فقد حُرم نحو 150 ألف عامل فلسطيني من الوصول إلى وظائفهم داخل إسرائيل، ما أدى إلى ارتفاع البطالة إلى أكثر من 30% بنهاية 2023، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل 507 آلاف شخص بنهاية 2024. كما بلغت الخسائر الشهرية في الأجور نحو 1.35 مليار شيكل، وانكمش الناتج المحلي للضفة والقطاع معًا بنسبة تتراوح بين 17% و22% بسبب الحرب والإغلاق.وتشير نتائج استطلاع للرأي العام أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي(PCPO) إلى أن 71.1% من المشاركين يعتقدون أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى نقص في الغذاء والدواء، فيما رأى 17.6% أن التأثير سيكون جزئيًا، و6.0% توقعوا استقرار الوضع، و3.2% لم يلاحظوا تغييرًا، و2.1% فقط عبّروا عن تفاؤلهم بتحسن الأوضاع. هذه النسب تعكس قلقًا شعبيًا واسعًا على الأمن الغذائي والدوائي، وتؤكد أن إغلاق المعابر لا يهدد الاقتصاد فحسب، بل يمسّ أساسيات الحياة ويقوّض الشعور بالأمان لدى المواطنين. كما أظهرت النتائج أن 75.0% من المشاركين اعتبروا الوضع الاقتصادي سيئًا جدًا ، بينما رأى 16.2% أنه سيئ ، و6.3% بأنه متوسط ، و2.5% بأنه جيد ، بما يعكس صورة تشاؤمية حادة تجاه الواقع الاقتصادي في فلسطين.وفي الجانب الإسرائيلي، لم تكن النتائج أقلّ خطورة. فقد تضررت قطاعات البناء والزراعة والخدمات الفندقية بشكل مباشر؛ إذ توقفت مئات المشاريع أو عملت بقدرة لا تتجاوز 15% من طاقتها، وارتفعت تكاليف البناء بنسبة 8-10%كما قدّرت وزارة المالية الإسرائيلية خسائر الاقتصاد المحلي بحوالي 25 مليار شيكل (7 مليارات دولار) حتى أغسطس 2024، نتيجة غياب العمالة الفلسطينية وتداعيات الحرب. وقد حذّر خبراء اقتصاديون إسرائيليون من أن استمرار المنع يمثل “قرارًا كارثيًا لكلا الاقتصادين إذا طال أمده”، في حين أوصت جهات أمنية إسرائيلية بالسماح بعودة العمال تدريجيًا لتفادي انفجار اجتماعي في الضفة قد ينعكس أمنيًا على إسرائيل نفسها.على المستوى الشعبي، أظهر استطلاع للرأي العام الفلسطيني (PCPO) عام 2025 أن غالبية الفلسطينيين يؤيدون عودة العمال إلى إسرائيل كضرورة معيشية ملحّة. فقد أقرّ معظم المشاركين بأن العمل في إسرائيل يشكل مصدر رزق أساسي لأسرهم، وأن منعه أدى إلى تدهور مستوى المعيشة وفقدان الأمل. وفي الوقت نفسه، أعربت الأغلبية عن ضعف الثقة بكلٍّ من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية في إدارة هذا الملف، معتبرين أن غياب التنسيق الفعّال بين الطرفين جعل العمال هم الحلقة الأضعف في المعادلة.ويبدو أن حكومة أسرائيل الحاليه لن تسمح – على الأرجح – بعودة العمال الفلسطينيين للعمل داخل إسرائيل، إذ إنها تستقدم العديد من العمال الأجانب كبديل. والاستثناء الوحيد هو العمل في المستوطنات (!). وربما تكون الحكومة المقبلة أقلّ تشدّدًا في هذا الشأن، وهو ما يعكس استمرار التعقيد في المشهد السياسي الإسرائيلي الذي يربط البعد الأمني بالاقتصادي، ويجعل من قضية العمال أداة ضمن إدارة الصراع بدل أن تكون جسرًا لتقليل حدّته.ومع استمرار حالة الجمود وغياب أي قرار رسمي بإعادة إدماج العمال الفلسطينيين، تبرز الحاجة الملحّة إلى دور فاعل للمجتمع الدولي والعربي في ممارسة ضغط حقيقي ومنسّق على الحكومة الإسرائيلية لفتح المعابر واستئناف العمل. فالقضية لم تعد محلية الطابع، بل أصبحت إنسانية بامتياز، تمسّ الأمن الغذائي والمعيشي لعشرات آلاف الأسر الفلسطينية. إن تحرّك الدول الأوروبية والمؤسسات الدولية – وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية، والبنك الدولي – إلى جانب الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب الذي يتمتع بتأثير سياسي مباشر على الحكومة الإسرائيلية، يمكن أن يشكل نقطة تحول حقيقية لإعادة الحياة إلى طبيعتها في الضفة الغربية. كما أن الموقف العربي الجماعي، عبر جامعة الدول العربية ودول مؤثرة مثل مصر والأردن وقطر والسعودية، يجب أن يتجاوز البيانات الرمزية نحو خطوات دبلوماسية واقتصادية ضاغطة توظّف العلاقات الدولية لدعم هذا المطلب الإنساني.فتح المعابر أمام العمال الفلسطينيين لا يعني فقط تحسين ظروفهم المعيشية، بل يمثل أيضًا خطوة بنّاءة نحو استقرار شامل ينعكس إيجابًا على المنطقة بأكملها. فاستمرار المنع لا يخدم أي طرف، بينما تمثّل العودة جسرًا نحو التهدئة والسلام القائمين على المصالح المشتركة والكرامة الإنسانية.في المحصّلة، فإن عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل ليست مسألة اقتصادية فحسب، بل قضية إنسانية وأمنية مرتبطة بالسلام ذاته. إعادة فتح المعابر ستعيد الأمل لمئات آلاف الأسر، وتعيد التوازن إلى سوقي العمل الفلسطيني والإسرائيلي، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الواقعي بدل الصراع والمعاناة. إنها ضرورة من أجل الأمن والسلام، واستثمار في الاستقرار المشترك بين شعبين يتقاسمان الأرض والاحتياجات والمستقبل.


آخر الأخبار
هشتک:   

العمال

 | 

الفلسطينيين

 | 

إسرائيل

 | 

ضرورة

 | 

إنسانية

 | 

واستثمار

 | 

الاستقرار

 | 

الدكتور

 | 

كوكالي

 | 

مصادر